ينبغي أن ترافق البنية التحتية الصحية التنمية التي تعرفها جهة الدار البيضاء - سطات. و بهذا الصدد، تمحور إصلاح هذه البنية التحتية الصحية على محورين تدخل ذا أولوية وهما تعزيز السياسة الصحية و تقويتها وتحسين حكامة القطاع، و هو الشيء الذي سيعود لا محالة بالنفع على عموم الجهة.
الرؤية الجديدة إذن عرضانية و مرتكزة أساسا على مدخل الحكامة. تنزيلا لمقتضى الفصل 31 من نص الدستور، الذي جعل من الولوج إلى العلاج و الرعاية الصحية حقا مكتسبا : "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية." و هو المقتضى الدستوري الذي يعتبر واضح المنطوق و الغاية.
إحصائيات
18.737: عدد السكان لكل مؤسسة رعاية صحية أساسية
246،462: عدد السكان لكل مستشفى
1،016: عدد السكان لكل طبيب
من أجل التغلب بسرعة على العجز الذي تعرفه الموارد الصحية العمومية على المستوى الوطني وفي جهة الدار البيضاء - سطات بالتحديد، تقوم الرؤية الاستراتيجية المسطرة بهذا الصدد على سياسة تنبني أساسا على مجموعة من العقود البرامج. و هي البرامج التي تندرج في إطار السياسة الجديدة لتسيير المرفق الصحي القائمة على النتائج.
تترجم ذلك حزمة الأهداف المسطرة التي تمثل عصب هذه العملية بأكملها، وذلك بهدف تحقيق رفاه المواطن و صحته. بهذه الطريقة فقط سيتم التوصل إلى تقويم الاختلالات التي يتخبط فيها مرفق الصحة.
ثم إن نمط الحكامة الجديد الذي يتبناه نظام الصحة الوطنية يفرض من الأن فصاعدا القيام بتدابير و إجراءات عرضانية، تجعل من السياسة الصحية سياسة بيقطاعية تشرك كل القطاعات في تدبيرها.
تتركز الأطر الطبية بشكل كبير في عمالة الدار البيضاء. كما تعتبر التغطية الجهوية للأطباء أعلى بكثير من المتوسط الوطني، بشكل مستقر ومركز بدرجة عالية في مدينة الدار البيضاء. كما أن العرض الصحي يعرف امتصاصا من قبل القطاع الخاص. ويجدر الذكر أن 57٪ من مجموع الأطباء ينشطون أساسا في الدار البيضاء.
فيما يحتاج القطاع الصحي العمومي لمزيد من تطوير الأطر شبه الطبية فيه، سيما و العرض بهذا الصدد يعتبر ضعيفا، خصوصا و أن الفرص التي تمنحها هذه المهن تعتبر قوية في القطاع شبه الطبي، ناهيك عن افتتاح مؤسسات تكوين خاصة في هذا المجال.
توجد في المغرب 373 عيادة طبية خاصة. حيث يقدم القطاع الخاص، كما هو معلوم إسوة بأي مكان آخر، الرعاية الصحية في أفضل الظروف و الشروط. وتتموقع العيادات الطبية الخاصة الرئيسية و الشهيرة على امتداد محور الدار البيضاء - سطات والرباط بالطبع.
كما ارتكز إصلاح قطاع الصحة على صياغة عدة مشاريع قوانين تهدف إلى تعزيز القطاع الخاص في هذا قطاع الصحة، والهدف هو تقديم عرض ينبني على المساواة في الولوج وبجودة أفضل للمواطنين.
وتناولت التوصيات التي جاء بها الكتاب الأبيض الذي تم تقديمه سلفا في الأول والثاني والثالث من يوليوز بمراكش خلال المؤتمر الوطني الثاني للصحة، هذا الجانب بشكل كبير و مستفيض. حيث أوصت في قلب هذه الأولويات على شمولية التغطية الصحية بهدف التمكين من الولوج إلى العلاجات الصحية لكل الساكنة.
على الرغم من التباينات المختلفة و الصارخة، لم يتوقف النظام الصحي المغربي عن التقدم إلى الأمام في مسار إيجابي. حيث يتوفر المغرب على 2600 مرفق عمومي للعلاجات الطبية الأساسية في مقابل 394 في عام 1960، إضافة إلى 144 مستشفى عمومي تنضاف إليها 373 عيادة طبية خاصة تشكل الأساس المتين للبنى التحتية الإستشفائية. و هو المؤشر الذي يدعو بضرورة مجابهة هذا الضعف في التجهيز من قبل السلطات العمومية، التي تعي تماما ذلك و ينبغي أن تضعه في قلب أولويات السياسة الصحية الجديدة.
و لا خير من معدل إنفاق السلطات العمومية في هذا القطاع كمثال على تنامي هذا الوعي، حيث تضاعفت الميزانيات المرصودة بين عام 2001 وعام 2010 على هذا القطاع، وتظهر الإحصائيات الأخيرة أن 18.9 مليار درهم قد أنفقت في عام 2001 ، مقابل 47.8 مليار درهم في عام 2010. كما تجدر الإشارة إلى أن النظام العمومي للصحة يستحوذ على 7.6٪ فقط من مجموع النفقات العمومية الإجمالية، في حين رصدت نسبة 15٪ من إجمالي الميزانية للقطاع في عام 2015.
وقد وضعت سياسة تروم تخفيض ثمن الأدوية بهدف تسهيل الولوج إلى هذه السلعة ذات الضرورة الأساسية و القصوى، حيث لا زالت التدابير و الإجراءات بهذا الصدد قائمة من أجل إنجاز هذا الإصلاح الملح.
في حين أحاط السيد الوزير الحالي المشرف على القطاع نفسه بالممارسين و المهنيين في المجال من أجل فهم أمثل للوضعية وإيجاد حلول دائمة و مستدامة لها، يكون فيها التكامل بين القطاعين العمومي والخاص لبنة أساسية لهذا المشروع. و ذلك إيمانا بأن نهج المقاربة التشاركية التي تشرك القطاع الخاص لا يمكن إلا أن تعود بالنفع بهدف تحسين جودة العرض، كما في سائر الدول و النماذج الأخرى.
و من وجهة نظر اقتصادية بحتة، من المتوقع أن يولد هذا النهج مشاريع جديدة، منها أساسا تشييد بنية تحتية استشفائية تجيب على كل التطلعات. في حين أن مجال المعدات و الأجهزة الطبية يعد سوقا واعدة ومن شأنه استقطاب مجموعة من المستثمرين المستقبليين. أما بالنسبة لجهة الدار البيضاء سطات، فإن الطلب لا زال يتعاظم و يزداد، لكنه لا يزال متركزا بالأساس في مدينة الدار البيضاء.
ومن ناحية أخرى، فمن المتوقع أن يسهل نظام معلوماتي ذكي أليات الحكامة في القطاع، و تبقى الأوراش بهذا الصدد مفتوحة، لا سيما و سياسة رقمنة و أتمتتة المرافق العمومية تعرف انشغالا قويا من قبل الفاعل العمومي منذ سنوات قليلة.